كنت
احبه فى الله وهو كذلك...ولطالما جلسنا مع بعضنا واكلنا وشربنا وضحكنا
بملىء افواهنا...كنا نستمع سوياً المحاضرات القيمه لمشايخنا الفضلاء، كنت
ما زلت ادرس فى كليتى وكان هو يعمل بائع للاسطوانات والشرائط وكان يعيش
وحيداً حيث انه ترك اهله فى محافظه المنيا بعد وفاه ابوه وامه وكنت اسعد
جدا عندما احضر له طعاما من صنع امى وااكل انا وهو حيث انه كان متلهفا
للاكل البيتى اذ لا زوجه ولا ام، كان منتهى امله ومبلغ مناه ان يرضى ربه
وان يجمع اموالا ليتزوج
....
مرت
الايام والشهور وفاجئنى بأنه سيسافر الى السعوديه ليعمل بشهادته حيث كان
مساحا للاراضى، فقلت له وفقك الله ، فذهب الى تلك الاراضى المقدسه وعمل
هناك واصبح مرتبه عالى بفضل الله واخذ ينزل الاجازه هنا بمصر ثم يعاود الى
عمله مره اخرى...واستمر الوضع على ذلك الى ان جاءنى فى مكان عملى فى بعض
اجازاته وقال لى انه اصيب بورم سرطانى عفانا الله واياكم فى المستقيم وانه
عمل عمليه هناك واستئصله، وذهلت عندما علمت ولن تصبرت بالقدر وان الله بالغ
امره، فوجئت بعدها بأن الورم عاد اليه مره اخرى واجبروه على ان يعالج
كيميائياً فرفض ومرت مده حتى سائت حالته واضطروا الى عمل عمليه تقصير
المستقيم فكان الموضوع بمثابه الابتلاء الشديد للاخ، كل هذا والاخ يعتصر
الماً ويتقلب فى الوان العذاب وهو صابر نحسبه كذلك ،جاء الاخ الى مصر بعدما
قدم اجازه مرضيه الى مقر عمله واخذت حالته تزداد تطوراً ... فأول ما نزل
جائه الورم فى فتحه الشرج(اللهم عافنا واعفوا عنا) ثم اخذ الورم يتضخم الى
ان سد الفتحه واضطروا فى معهد الاورام الى عمل عمليه فتح مكان بأسفل بطنه
لكى يتبرز منها...واخذت حالته تزداد سوءاً يوما بعد يوم وانا وكل اصدقائه
كنا نأتيه يوميا لنقضى له متطلباته و احتيجاته...ومرت الايااااام وانتشر
الورم فى جسده كله وفى العمود الفقرى والجمجمه واصبحت حاله الاخ لا توصف
بأى كلمه لغويه...ولم اجد الا ان اصبره واذكره بقدر الله وبأن هناك امراض
اخطر من هذه وقد عافا الله اصحابها وهو يقول لى نعم الحمد لله...ولا اخفى
عنكم فقد كانت تنتابنى حاله من الاحباط واليأس الشديد عندما كنت
ازوره...واصبح صاحبنا يعيش على المسكنات نوعاً تلو الاخر بحسب كفائه وشده
كل نوع ، ولا استطيع مهما بلغت تعبيراتى و مهما كانت مهارتى ان آتى بوصف
لشده الالم الذى كان يلاقيه هذا الاخ فوالله ثم والله كان يقول الااااه
بصوت لو سمعتموه لقلتم ان الذين يتأوهون انما هم يلعبون ،بدأت حالته تقترب
من النهايه المحتومه وكلنا حوله نسمع صراخه مدوياً فلا نستطيع ان نفعل له
شىء فننهمر فى البكاء وهكذا حتى تعطل الكبد من كثره المسكنات وتوقف تماما
عن العمل وبدأت بطن الاخ تنتفخ يوما بعد الاخر وعيناه تصفر ووجهه ينظر
الينا مودعا تلك الوجوه التى طالما احبته ورافقته ، وكان الاخ مع كل ذلك و
فى كل احواله ثابتا صابرا راضى بقدر الله لدرجه انه ترك وصيته الشرعيه على
هاتفه المحمول مسجله لمن يقف عند راأسه حين موته...فياله من صمود وياله من
ايمان
...
الى
ان جاء يوم دخل فيه فى غيبوبه كبديه عده مرات واحضرنا الطبيب فى التو
واللحظه فقال ابقوا بجانبه فكلها ساعات فانخرطنا كلنا فى البكاء فصعب جداً
هذا الذى نرى كيف ننظر الى انسان يتألم ويستغيث ونحن لا حول لنا ولا
قوه...فقلت فى نفسى ما يتعين على فعله الان ان احضر اصدقائى ليروا كيف تصنع
الدنيا بأهلها فلقد كان شاباً وسيماً كان لا يكن ولا يهدأ دائماً فى
مشاوير و مشاغل والان اصبح اسير مقعده لا يستطيع فعل شىء الا ان ينتظر ملك
الموت ليقبض روحه ونحن بانتظار لحظه الفراق ، فاجتهدت فى جمع اصدقائى
وتعمدت ان احضر منهم الغنى وصاحب العضلات المفتوله وطالب العلم لكى انظر
اليهم هل سيشعرون بالذى اشعر به فتفاجئت بأن كلا منهم لم يستطع ان يشاهدوا
الاخ لمده خمس دقائق وبكوا واخذوا ينتظرون موته تحت البيت...لكن الاخ ماشاء
الله عليه كان يردد لا اله الا الله حتى داخل الغيبوبه
...
وجاءت
اللحظه التى كلنا منها نحيد...وتوقف القلب وانقطع الصوت تماما وتخشب الجسد
وودع هذه الدنيا الملعونة ليلقى رباً كريما غفوراً رحيما....مات
الاخ....مات حبيبى وصديقى ، وغسله فضيله الشيخ العلامه عادل العزازى حيث ان
الاخ اوصى بذلك ولم يمانع الشيخ حفظه الله ورعاه...واخذ الشيخ يغسله وكلنا
حوله ننظر الى وجهه المستنير ونردد فى انفسنا((اهكذا فجأه مرض ثم مات ثم
هو الان يغسل...؟؟؟ما هذا الذى يحدث لقد كان معنا بالامس
القريب...آآآآآآآآآه من هذه الدنيا
))
كانت
هذه من اصعب اللحظات التى مررت بها فى حياتى...اللهم ان هذا الرجل لو كان
ضيفى لأكرمته....وهو الأن ضيفك وأنت أكرم الأكرمين...اللهم امين
منقوووووووول